فصل: غزوة بدر الصغرى الموعد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.غزوة ذات الرقاع:

وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بني النضير إلى جمادى من السنة الرابعة ثم غزا نجدا يريد بني محارب وبني ثعلبة من غطفان واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاري وقيل عثمان بن عفان ونهض حتى نزل نجدا فلقي بها جمعا من غطفان فتقارب الناس ولم يكن بينهم حرب إلا أنهم خاف بعضهم بعضا حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين صلاة الخوف وسميت ذات الرقاع لأن أقدامهم نقبت وكانوا يلقون عليها الخرق وقال الواقدي: لأن الجبل الذي نزلوا به كان به سواد وبياض وحمرة رقاعا فسميت بذلك وزعم أنها كانت في المحرم.

.غزوة بدر الصغرى الموعد:

كان أبو سفيان نادى يوم أحد كما قدمناه بموعد بدر من قابل وأجابوه بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان في شعبان من هذه السنة الرابعة خرج لميعاده واستعمل على المدينة عبد الله بن عبد الله بن أبي سلول ونزل في بدر وأقام هناك ثمان ليال وخرج أبو سفيان في أهل مكة حتى نزل الظهران أو عسفان ثم بدا له في الرجوع واعتذر بأن العام عام جدب.

.غزوة دومة الجندل:

خرج إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول من السنة الخامسة وخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري وسببها أنه عليه السلام بلغه أن جمعا تجمعوا بها فغزاهم ثم انصرفوا من طريقه قبل أن يبلغ دومة الجندل ولم يلق حربا وفيها وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن أن يرعى بأراضي المدينة لأن بلاده كانت أجدبت وكانت هذه قد أخصبت بسحابة وقعت فأذن له في رعيها.

.غزوة الخندق:

كانت في شوال من السنة الخامسة والصحيح أنها في الرابعة ويقويه أن ابن عمر يقول ردني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة ثم أجازني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فليس بينهما إلا سنة واحدة وهو الصحيح فهي قبل دومة الجندل بلا شك وكان سببها أن نفرا من اليهود منهم: سلام بن أبي الحقيق وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وسلام بن مشكم وحيي بن أخطب من بني النضير وهود ابن قيس وأبو عمارة من بني وائل ولما انجلى بنو النضير إلى خبير خرجوا إلى مكة يخربون الأحزاب ويحرضون على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرغبون من اشرأب إلى ذلك بالمال فأجابهم أهل مكة إلى ذلك ثم مضوا إلى غطفان وخرج بهم عيينة بن حصن على أشجع وخرجت قريش وقائدها أبو سفيان بن حرب في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تبعهم من كنانة وغيرهم ولما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بحفر الخندق على المدينة وعمل فيه بيده والمسلمون معه ويقال إن سلمان أشار به ثم أقبلت الأحزاب حتى نزلوا بظاهر المدينة بجانب أحد وخرج عليه السلام في ثلاثة آلاف من المسلمين وقيل في تسعمائة فقط وهو راجل بلا شك وخلف على المدينة ابن أم مكتوم فنزل بسطح سلع والخندق بينه وبين القوم وأمر بالنساء والذراري فجعلوا في الأطام وكان بنو قريظة مواد عين لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاهم حيي وأغراهم فنقضوا العهد ومالوا مع الأحزاب وبلغ أمرهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبعث سعد بن معاذ وسعد ابن عبادة وخوات بن جبير وعبد الله بن رواحة يستخبرون الأمر فوجدوهم مكاشفين بالغدر والنيل من رسول الله صلى الله عليه وسلم فشاتمهم سعد بن معاذ وكانوا أحلافه وانصرفوا وكان صلى الله عليه وسلم قد أمرهم إن وجدوا الغدر حقا أن يخبروه تعريضا لئلا يفتوا في أعضاد الناس فلما جاؤا إليه قالوا يا رسول الله عضل والقارة يريدون غدرهم بأصحاب الرجيع فعظم الأمر وأحيط بالمسلمين من كل جهة وهم بالفشل بنو حارثة وبنو سلمة معتذرين بأن بيوتهم عورة خارج المدينة ثم ثبتهم الله.
ودام الحصار على المسلمين قريبا من شهر ولم تكن حرب ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عيينة بن حصن والحرث بن عوف أن يرجعا ولهما ثلثا ثمار المدينة وشاور في ذلك سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فأبيا وقالا: يا رسول الله أشيء أمرك الله به فلا بد منه أم شيء تحبه فتصدقه فتصنعه لك أم شيء تصنعه لنا؟ فقال: بل أصنعه لكم إني رأيت أن العرب رمتكم عن قوس واحدة فقال سعد بن معاذ: قد كنا معهم على الشرك والأوثان ولا يطمعون منا بثمرة إلا شراء وبيعا فحين أكرمنا الله بالإسلام وأعزنا بك نعطيهم أموالنا والله لا نعطيهم إلا السيف فصلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمارى الأمر وظهر فوارس من قريش إلى الخندق وفيهم: عكرمة بن أبي جهل وعمرو بن عبد ود من بني عامر بن لؤي وضرار بن الخطاب من بني محارب فلما رأوا الخندق قالوا هذه مكيدة ما كانت العرب تعرفها ثم اقتحموا من مكان ضيق حتى جالت خيلهم بين الخندق وسلع ودعوا إلى البراز وقتل علي بن أبي طالب عمرو بن عبد ود ورجعوا قومهم من حيث دخلوا.
ورمي في بعض تلك الأيام سعد بن معاذ بسهم فقطع عنه الأكحل يقال رماه حبان بن قيس بن العرقة وقيل أبو أسامة الجشمي حليف بني مخزوم ويروى أنه لما أصيب جعل يدعو: اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقي لها فلا قوم أحب إلي أن أجاهدهم من قوم آذوا رسولك وأخرجوه وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها لي شهادة ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة.
ثم اشتد الحال وأتى نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف بن ثعلبة بن قنفذ بن هلال بن خلاوة بن أشجع بن ريث بن غطفان فقال: يا رسول الله إني أسلمت ولم يعلم قومي فمرني بما تشاء فقال إنما أنت رجل واحد فخذل عنا إن استطعت فإن الحرب خدعة فخرج فأتى بني قريظة وكان صديقهم في الجاهلية فنقم لهم في قريش وغطفان وأنهم إن لم يكن الظفر لحقوا ببلادهم وتركوكم ولا تقدرون على التحول عن بلدكم ولا طاقة لكم بمحمد وأصحابه فاستوثقوا منهم برهن أبنائهم حتى يصابروا معكم ثم أتى أبا سفيان وقريشا فقال لهم: إن اليهود قد ندموا وراسلوا محمدا في المواعدة على أن يسترهنوا أبناءكم ويدفعوهم إليه ثم أتى غطفان وقال لهم مثل ما قال لقريش فأرسل أبو سفيان وغطفان إلى بني قريظة في ليلة سبت إنا لسنا بدار مقام فأعدوا للقتال فاعتذر اليهود بالسبت وقالوا: مع ذلك لا نقاتل حتى تعطونا أبناءكم فصدق القوم خبر نعيم وردوا إليهم بالاباية من الرهن والحث على الخروج فصدق أيضا بنو قريظة خبر نعيم وأبوا القتال وأرسل الله على قريش وغطفان ريحا عظيمة أكفأت قدورهم وآنيتهم وقلعت أبنيتهم وخيامهم وبعث عليه السلام حذيفة بن اليمان عينا فأتاه بخبر رحيلهم وأصبح وقد ذهب الأحزاب ورجع إلى المدينة.